أكد كريشنا بولوسو، المدير الأول لعلم بيانات الأورام في شركة أسترازينيكا، أن الذكاء الاصطناعي (AI) يغير مشهد اكتشاف الأدوية، لكنه شدد على ضرورة تطبيقه بشكل مدروس واستراتيجي لتحقيق أقصى فائدة. جاءت تصريحاته خلال كلمته في مؤتمر ELRIG Drug Discovery في لندن، والذي عُقد في 11 مارس 2025، حيث أوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الكفاءة، وخفض التكاليف، وتعزيز العلاجات الشخصية، لكنه أشار إلى أن نجاحه يعتمد على تكامل البيانات، وشفافية النماذج، والتنبؤات المبنية على السياق العلمي الصحيح.
الذكاء الاصطناعي: ثورة في اكتشاف الأدوية
قال بولوسو:
“تسريع اكتشاف الأدوية لا يعني فقط تنفيذ المهام بسرعة فائقة، بل يعني أيضًا التفكير بطرق جديدة والعمل بكفاءة أعلى. لا ينبغي استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عشوائي، بل يجب أن يكون موجهًا للإجابة على أسئلة علمية محددة بوضوح.”
من الأمثلة البارزة على استخدام أسترازينيكا للذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية هو شراكتها مع شركة توربين (Turbine)، وهي شركة متخصصة في المحاكاة البيولوجية. أُعلنت هذه الشراكة في يناير 2024، وتهدف إلى استخدام تقنيات المحاكاة الخلوية لمحاكاة مقاومة الأدوية في السرطانات الدموية.
من خلال دمج البيانات العامة والخاصة، يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي محاكاة ملايين التفاعلات الدوائية، مما يسمح بتوقع آليات المقاومة الدوائية وتحديد العلاجات المركبة المحتملة. وأوضح بولوسو مدى قوة هذا النهج قائلاً:
“هذا الأمر قوي للغاية، لأن قابلية التوسع هنا مذهلة. فإذا اضطررنا إلى إجراء هذه الاختبارات في المختبر، فستكون مكلفة للغاية من حيث الوقت والموارد.”
الذكاء الاصطناعي كبديل للتجارب المختبرية التقليدية
على عكس الأبحاث التقليدية، التي تستغرق وقتًا طويلاً وتكون مكلفة، تسمح المحاكاة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للباحثين باستكشاف المسارات البيولوجية المعقدة في جزء صغير من الوقت. تساعد هذه النماذج في تقديم رؤى كمية حول كيفية تأثير العلاجات المختلفة على المسارات الخلوية، مما يسهل تطوير استراتيجيات جديدة لاكتشاف الأدوية.
وأشار بولوسو إلى أن هذا النهج مفيد جدًا لشركات الأدوية الكبرى، قائلاً:
“من منظور شركة دوائية كبيرة، فإن هذه التكنولوجيا رائعة، لأنها تساعد في تحديد كيفية استخدام الأدوية المتوفرة لدينا، سواء كعلاجات فردية أو مركبة.”
الذكاء الاصطناعي ومستقبل المحاكاة البيولوجية
إن فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي لمحاكاة العمليات البيولوجية تكتسب زخمًا كبيرًا في الصناعة الدوائية. فقد سبق أن صرح ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة ديب مايند (DeepMind) والمشارك في تطوير ألفا فولد (AlphaFold)، قائلاً:
“حلمي هو تطوير خلايا افتراضية تحاكي الخلايا الحقيقية تمامًا. نحن على بعد حوالي عشر سنوات من تحقيق ذلك.”
ولكن، رغم التفاؤل بهذه التقنية، شدد بولوسو على أن النجاح لا يعتمد فقط على التقدم التكنولوجي، بل على ضمان قابلية تفسير النماذج ودقتها العلمية.
وقال:
“قيمة الذكاء الاصطناعي تظهر عندما يستطيع غير المتخصصين في علم البيانات فهم نتائجه والاستفادة منها. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا عملنا معًا بشكل وثيق.”
التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية
رغم الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك تحديات كبيرة، ومن أبرزها:
- نقص البيانات الطولية للمرضى، مما يجعل من الصعب تتبع التطورات المرضية بدقة.
- تحيز النماذج الذكائية، حيث قد تعكس نتائج غير دقيقة بناءً على البيانات التي تُدرب عليها.
- الحاجة إلى تحسين الكشف المبكر عن الأمراض، وهو أمر بالغ الأهمية لتطوير علاجات فعالة.
أوضح بولوسو أن أحد أكبر التحديات يكمن في جمع البيانات بشكل متكامل، خصوصًا خلال المراحل المبكرة للبحث والتطوير.
وقال:
“نحن كقطاع، لا نجيد توليد بيانات طولية. بيانات المريض يجب أن تُجمع قبل البدء في الأبحاث السريرية، لكن ما يحدث حاليًا هو العكس.”
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح “شريكًا فكريًا”؟
للتغلب على هذه التحديات، دعا بولوسو إلى اتباع نهج جديد في استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث لا ينبغي اعتباره مجرد أداة تنفيذية، بل يجب أن يكون “شريكًا فكريًا” يساعد في توجيه الأبحاث واتخاذ القرارات بشكل أكثر ذكاءً.
وقال:
“يجب أن يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا فكريًا للعلماء. ولكي يحدث ذلك، يجب أن يكون لدينا ثقة تامة في البيانات والنماذج التي نستخدمها.”
في هذا السياق، أكد على أهمية البدء بالسؤال العلمي الصحيح قبل اختيار النموذج المناسب للإجابة عليه.
وأضاف:
“من منظور الذكاء الاصطناعي، فإن القيمة والتأثير يعتمدان دائمًا على طرح السؤال الصحيح أولًا، ثم اختيار النموذج المناسب للإجابة عليه. وليس العكس.”
المستقبل الواعد للذكاء الاصطناعي في الصناعة الدوائية
مع استمرار الشركات الكبرى مثل أسترازينيكا في دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث والتطوير، يتوقع أن تلعب هذه التكنولوجيا دورًا محوريًا في تسريع اكتشاف الأدوية وتحسين العلاجات. ولكن، لتحقيق أقصى استفادة منها، يجب تبني نهج علمي متوازن يجمع بين الابتكار والموثوقية.
في النهاية، لا يزال الطريق طويلًا أمام الذكاء الاصطناعي ليصبح شريكًا حقيقيًا في اكتشاف الأدوية، ولكن مع استراتيجيات التكامل الصحيحة، يمكن أن يُحدث ثورة حقيقية في القطاع الصحي ويُساهم في توفير علاجات أكثر دقة وفعالية للمرضى في جميع أنحاء العالم.
للمزيد من اخبار شركات الادوية المصرية والعالمية واخبار سوق الدواء والصحة تابع دواء نيوز- أخبار الدواء علي لينكدن :
