مع تصاعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي (AI) واستخداماته المتقدمة في قطاع الأدوية، تشهد شركات الأدوية العالمية سباقاً محموماً لتطوير أدواتٍ جديدة تسهم في تسريع عمليات البحث والتطوير، وتحسين كفاءة العمليات الداخلية، وتقديم حلول علاجية مبتكرة تستهدف احتياجات المرضى. في خضم هذه التحولات، يشهد القطاع حركة نشطة من الشركات الرائدة التي تتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعي، منها شركات دخلت بالفعل في شراكات بقيمة مليارات الدولارات، وأخرى تسعى إلى تعزيز قوتها العاملة بضم المواهب ذات الخبرات التقنية العالية.
في تقرير صدر حديثاً عن شركة “سي بي إنسايتس” بعنوان “مؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية لعام 2024″، يسلط الضوء على استعداد أكبر 50 شركة أدوية في الأمريكتين وأوروبا للتحول الرقمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي. تعتمد هذه الشركات على مجموعة من العناصر الأساسية، منها جذب الكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وتطوير قدرات البحث والابتكار، وتنفيذ مشاريع استراتيجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة العمليات وتوسيع نطاق التأثير. ويعتبر هذا المؤشر أداة هامة لتحديد مدى جاهزية شركات الأدوية لاستثمار هذه التقنية بفاعلية في أعمالها، من خلال ثلاثة محاور رئيسية: المواهب، والتنفيذ، والابتكار.
خلفية التقرير: شركات الأدوية والتحول الرقمي
لقد تصدرت شركات الأدوية الكبرى، مثل “روش” و”باير”، قائمة المؤشر بفضل استثماراتها المتواصلة في مجال الذكاء الاصطناعي، سواءً عبر استحواذات استراتيجية أو من خلال تكثيف جهود البحث والتطوير. وقد أبدت شركات مثل “إيلي ليلي” و”سانوفي” طموحات كبيرة لاستغلال قوة الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، حيث تسعى “سانوفي” لتصبح أول شركة أدوية مدعومة بالكامل بالذكاء الاصطناعي. كما انضمت “إيلي ليلي” إلى الركب عبر توقيع اتفاقية تعاون بقيمة 250 مليون دولار مع شركة “إكستال بي”، وهي الشركة الناشئة الأعلى تمويلاً في مجال اكتشاف وتصميم الأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
هذا التقرير يتناول هذه التحولات بعمق ويحلل مدى جاهزية الشركات لمواجهة التحديات المستقبلية في ظل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتنوعة.
الركائز الرئيسية لتقييم الاستعداد: المواهب، التنفيذ، والابتكار
المواهب: قوة استقطاب الكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي تعد القدرة على جذب والاحتفاظ بالكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي محورية في هذا المجال، حيث تلعب الشركات التي تمكنت من جذب كوادر ذات خبرات تقنية وأكاديمية متميزة دورًا بارزًا في قيادة التغيير. فعلى سبيل المثال، قامت “موديرنا” بتعيين ديف جونسون، كبير مسؤولي البيانات والذكاء الاصطناعي، والذي يحمل دكتوراه في فيزياء المعلومات. وقد صرّح جونسون عن دور فريقه في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير لقاح موديرنا المضاد لفيروس كوفيد-19، مشيرًا إلى أهمية هذه التقنية في تسريع العمليات البحثية وتحليل البيانات الكبيرة المتعلقة بالتجارب السريرية.
كذلك، يظهر اسم “أسترازينيكا” بقوة في هذا السياق، حيث يضم الفريق البحثي بقيادة جيمس ويذيرال، نائب رئيس علم البيانات والذكاء الاصطناعي في قسم البحث والتطوير، كفاءات ذات خلفيات علمية من مؤسسات كبرى كـ”إمبريال كوليدج لندن” و”جامعة كامبريدج”. ووفقاً للتقرير، فإن الشركات التي استثمرت بعمق في جلب الكوادر الفنية والمعرفية في مجال الذكاء الاصطناعي ستتمكن من تعزيز قدرتها على ابتكار حلول جديدة وتطوير عملياتها بشكل متكامل.
التنفيذ: الشراكات والتطبيق العملي في السوق
مع بروز أهمية الشراكات الاستراتيجية، دخلت نصف أكبر 50 شركة أدوية في شراكات واتفاقيات ترخيص مع شركات الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنيات جديدة. من بين هذه الشراكات، تبرز الشراكة بين “مجموعة ميرك” وشركة “إنسيليكو ميديسن” لتطوير منصة كيمياء توليدية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وكذلك الشراكة بين “نوفارتيس” و”مايكروسوفت” التي أسست مختبرًا مشتركًا للأبحاث يركز على تطوير نموذج مفتوح المصدر للكشف عن الأمراض عبر الذكاء الاصطناعي.
كما قامت “سانوفي” في يونيو 2022 بتمديد تعاونها مع “أكيميا” في مجال اكتشاف الأدوية لعلاج الأورام باستخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقات الفيزياء الكمية. ويعد هذا التعاون خطوة أخرى نحو تحقيق طموحها في أن تصبح “أول شركة أدوية مدعومة بالكامل بالذكاء الاصطناعي”. وإلى جانب الشراكات، فقد ذكرت 23 شركة من أصل 50 شركة الذكاء الاصطناعي في مكالمات الأرباح الخاصة بها في السنوات الأخيرة، حيث تأتي “جلاكسو سميث كلاين” في المقدمة بذكر الذكاء الاصطناعي في 8 مكالمات خلال السنوات الخمس الماضية.
الابتكار: تسجيل براءات الاختراع والاستحواذ على الشركات الناشئة
يتمثل الابتكار في قدرة الشركة على تطوير أو اكتساب تقنيات جديدة تمكّنها من تحسين أدائها وتقديم منتجات جديدة للسوق. ويعتبر هذا المؤشر واحدًا من أكثر المحاور تفاوتًا بين الشركات. حيث استحوذت 3 شركات فقط من أكبر 50 شركة أدوية على شركات ناشئة متخصصة في الذكاء الاصطناعي. وتعد “باير” أكثر الشركات نشاطًا في هذا المجال عبر ذراعها الاستثماري “ليبس باي باير”، الذي استثمر في 12 صفقة منذ 2018. كما أن “روش” و”بيو إن تك” قد قامتا باستحواذات استراتيجية لتعزيز قدراتهما في الذكاء الاصطناعي، مثل استحواذ “باير” على “بلاكفورد أناليسيس” في مجال التصوير الطبي، و”بيو إن تك” على “إنستاديب” المتخصصة في تصميم البروتينات.
رؤية المستقبل: فرص وتحديات
مع دخول شركات الأدوية الكبرى لعصر الذكاء الاصطناعي، تُطرح العديد من التساؤلات حول فرص التحول الرقمي وأثره على الكفاءة التشغيلية ونتائج المرضى. كيف يمكن لهذه الشركات أن تستفيد من القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تحسين سلاسل الإمداد، وتسريع التجارب السريرية، وتحليل بيانات المرضى؟
أحد التحديات الكبرى يكمن في مدى توفر الموارد البشرية المتميزة في هذا المجال، فضلاً عن الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الكيانات المختلفة في الصناعة لضمان تطوير حلول فعّالة وشاملة. الشركات التي استثمرت بالفعل في الذكاء الاصطناعي وتمكنت من إنشاء فرق بحث وتطوير متميزة قد تكون في موقع أفضل لمواجهة هذه التحديات.
استنتاج
بناءً على التحليل الشامل لمؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي، يبدو أن هناك اختلافات ملحوظة في مدى جاهزية الشركات لتبني الذكاء الاصطناعي وتطبيقه في عملياتها. الشركات التي تصدرت المؤشر مثل “روش” و”باير” أثبتت قدرتها على قيادة الابتكار في هذا المجال، من خلال استثماراتها في المواهب التقنية والاستحواذات الاستراتيجية، بينما تجد بعض الشركات الأخرى صعوبة في التقدم بالسرعة المطلوبة.
في نهاية المطاف، فإن النجاح في تطبيق الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية يعتمد على مدى تكامل هذه التقنيات مع استراتيجيات العمل الحالية، واستثمار الشركات في تطوير البنية التحتية والمعرفة التقنية اللازمة لدعم هذه التحولات الرقمية.
من خلال هذا التحليل، يظهر أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط تقنية بل عامل رئيسي في التحول الاستراتيجي لشركات الأدوية، ويعد مؤشر “سي بي إنسايتس” أداة أساسية لفهم مدى استعداد هذه الشركات للتكيف مع هذا الواقع الجديد.
والعالمية واخبار سوق الدواء والصحة تابع دواء نيوز– أخبار الدواء علي لينكدن :
www.linkedin.com/company/dawaa-news