عقبات في تقنيات العلاج وتباطؤ الأبحاث السريرية تؤجل الحلول التجارية
على الرغم من مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على رفض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج تجريبي لمرض جالاكتوسيميا، إلا أن التقدم في تطوير العلاجات الفعالة لهذه الحالة النادرة لا يزال بطيئًا، مما يعكس جمود المشهد البحثي والقيود التكنولوجية التي تعيق إيجاد حل جذري لهذا المرض.
في اليوم العالمي للأمراض النادرة (28 فبراير)، يوضح أحد الخبراء في مجال الأيض الوراثي لماذا تظل العلاجات التجارية بعيدة المنال لمرضى جالاكتوسيميا، ولماذا لا تزال التجارب السريرية غير قادرة على تحقيق تقدم كبير في هذا المجال.
ما هو مرض جالاكتوسيميا؟
جالاكتوسيميا هو اضطراب وراثي نادر في التمثيل الغذائي يحدث بسبب نقص إنزيم galactose-1-phosphate uridyltransferase (GALT)، وهو المسؤول عن تكسير سكر الجالاكتوز. يؤدي هذا النقص إلى تراكم الجالاكتول، وهو كحول سكري يعتقد أنه سام ويساهم في التدهور العصبي التدريجي للمرضى.
حاليًا، يعتمد العلاج القياسي على نظام غذائي خالٍ من الجالاكتوز، ولا توجد أي أدوية معتمدة لعلاج المرض أو التحكم في مضاعفاته العصبية.
لماذا تظل العلاجات الدوائية بعيدة عن التطبيق؟
يوضح الدكتور روبن لاتشمان، استشاري الأمراض الأيضية الوراثية في المستشفى الوطني لطب الأعصاب وجراحة الأعصاب بجامعة كوليدج لندن، أن المشكلة الرئيسية في تطوير العلاجات تكمن في التحديات التقنية لإيصال الدواء وليس في فهم طبيعة المرض نفسها.
يقول د. لاتشمان:
“مثل العديد من الأمراض الوراثية الأيضية، جالاكتوسيميا هو ببساطة نقص في إنزيم. لدينا فهم بيولوجي واضح للمشكلة، ولكن التحدي الحقيقي هو إيجاد وسيلة فعالة لتوصيل الإنزيم إلى خلايا الجسم المختلفة، خاصة الدماغ.”
فشل استبدال الإنزيمات
- العلاج ببدائل الإنزيمات (ERT) كان ناجحًا في بعض أمراض التخزين الليزوزومية مثل داء غوشيه، لكن لا يمكن تطبيقه على جالاكتوسيميا.
- يوضح د. لاتشمان أن: “إذا لم يكن الإنزيم موجهًا إلى الليزوزوم، فلا توجد طريقة لإيصاله إلى داخل الخلايا بشكل فعال، مما يجعل هذا النهج غير عملي لعلاج الجالاكتوسيميا.”
العلاج الجيني.. تقنية واعدة ولكنها غير ناضجة بعد
- تُعتبر العلاجات الجينية والخلوية أحد المجالات الواعدة، ولكنها تواجه عقبات كبيرة في تطبيقها على نطاق واسع، خاصةً عندما يكون العلاج مطلوبًا لخلايا الجسم بالكامل وليس نوعًا محددًا من الخلايا.
- يقول د. لاتشمان:
“إيصال الجين العلاجي إلى كل خلية في الجسم أمر بالغ الصعوبة، وإيصاله إلى الدماغ هو تحدٍ أكبر. قد ننجح في إيصال العلاج إلى أدمغة الفئران، ولكن لا يمكن تطبيق ذلك على البشر بسهولة.” - كما أن عدم تطور تقنيات تعديل الجينات حاليًا إلى مستوى يسمح بعلاج جالاكتوسيميا يعني أن العلاجات القائمة على الجينات لا تزال بعيدة المنال.
عوائق البحث والتجارب السريرية
تحديات التجارب السريرية: صعوبة تصميم الدراسات وقياس الفعالية
- يشير د. لاتشمان إلى أن التنوع الكبير بين المرضى يجعل من الصعب تصميم تجارب سريرية ذات نتائج قابلة للقياس بشكل دقيق.
- المرضى المصابون بجالاكتوسيميا يختلفون بشكل كبير في الأعراض، حيث يعاني بعضهم من مشكلات عصبية شديدة بينما تكون الأعراض لدى آخرين أقل وضوحًا، مما يصعّب توحيد المعايير السريرية لقياس فعالية العلاج.
إحجام الشركات الدوائية عن الاستثمار في العلاج
- معظم الشركات الدوائية تفضل إجراء التجارب السريرية على البالغين، خاصةً في الأمراض المزمنة ذات التطور البطيء، نظرًا لأن التجارب في الأطفال تحمل مخاطر قانونية وأخلاقية عالية.
- يوضح د. لاتشمان:
“الشركات لا تريد استثمار سنوات طويلة في التجارب السريرية مع الأطفال. إن كنت ترغب في نتائج سريرية واضحة، عليك أن تستثمر في علاج طويل الأمد، وهذا تحدٍ تجاري كبير.”
الحالة الراهنة للأبحاث والتطوير
🔹 عدد قليل جدًا من التجارب السريرية حاليًا يستهدف جالاكتوسيميا. وفقًا لبيانات مركز GlobalData Pharma Intelligence، هناك 8 تجارب سريرية فقط قيد التنفيذ، ومعظمها إما تم إنهاؤه أو لم يحقق نتائج واعدة.
🔹 العلاج الأكثر تقدمًا حاليًا هو “govorestat”، والذي طورته شركة Applied Therapeutics، لكنه فشل في تجارب المرحلة الثالثة بعد عدم تحقيق تحسن في الأعراض لدى الأطفال مقارنةً بالعلاج الوهمي.
🔹 رفضت إدارة الغذاء والدواء (FDA) الموافقة على العقار في ديسمبر 2024، ولم تصدر الشركة أي تحديث رسمي عن خططها المستقبلية للعقار.
🔹 مؤسسة “Galactosemia Foundation”، التي تدافع عن حقوق المرضى، علّقت قائلة:
“لقد مضى أكثر من قرن دون أي علاج معتمد لجالاكتوسيميا، حان الوقت للتغيير.”
ماذا يحمل المستقبل لمرضى جالاكتوسيميا؟
✅ على المدى القريب: يبقى النظام الغذائي الخالي من الجالاكتوز هو العلاج الرئيسي، مع استمرار الجهود البحثية لتحسين جودة حياة المرضى عبر الإرشاد الغذائي والدعم النفسي.
✅ على المدى البعيد: التطورات في العلاج الجيني والتعديل الجيني قد توفر حلولًا جذرية، لكن توصيل العلاج إلى خلايا الجسم بالكامل لا يزال تحديًا علميًا كبيرًا.
✅ مستقبل التجارب السريرية: بدون دعم مالي قوي واستثمارات ضخمة في الأبحاث، قد يبقى المرضى بدون علاجات دوائية فعالة لسنوات قادمة.
هل يمكن للعلم تجاوز العقبات؟
يظل مرض جالاكتوسيميا واحدًا من الأمراض النادرة التي لم تحصل بعد على علاج دوائي فعال بسبب التحديات التقنية، ونقص التمويل، وصعوبة تصميم التجارب السريرية.
في الوقت الحالي، يبقى المرضى وعائلاتهم في انتظار تطور التكنولوجيا الحيوية والعلاج الجيني ليتمكنوا يومًا ما من الحصول على علاج حقيقي يحسن من جودة حياتهم ويخفف من معاناتهم اليومية.
للمزيد من اخبار شركات الادوية المصرية والعالمية واخبار سوق الدواء والصحة تابع دواء نيوز- أخبار الدواء علي لينكدن :
www.linkedin.com/company/dawaa-news