في خطوة من شأنها أن تُحدث تحولاً كبيراً في آفاق علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، أعلنت شركة “جلاكسو سميثكلاين” (GSK) البريطانية أن وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) بدأت مراجعة طلبها الرسمي لاعتماد عقار “نوكالا” (Nucala) المعروف علميًا باسم “ميبوليزوماب” (Mepolizumab) كعلاج إضافي للمرضى الذين يعانون من COPD من النوع الحمضي (Eosinophilic phenotype)، والذي يُعد من أكثر الأنواع تعقيدًا وصعوبة في السيطرة عليه.
يمثل هذا التقديم التنظيمي محطة مهمة في رحلة تطوير “نوكالا”، الذي اعتمد منذ عام 2015 كعلاج للربو الشديد في الولايات المتحدة، وحقق على مدار السنوات الماضية مبيعات متزايدة ليصل إلى 1.78 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل نحو 2.3 مليار دولار أمريكي) في عام 2024، وهو ما يعادل حوالي 6% من إجمالي إيرادات الشركة.
خلفية علمية وطبية
الانسداد الرئوي المزمن هو مرض تنفسي تقدمي يُسبب تضيُّقاً دائماً في الشعب الهوائية، ويرتبط عادةً بتاريخ طويل من التدخين. يصيب هذا المرض أكثر من 390 مليون شخص حول العالم، ويُقدّر عدد المصابين به في أوروبا وحدها بما يزيد عن 40 مليون شخص. وتكمن خطورته في كونه يسبب أعراضًا مزمنة مثل صعوبة التنفس والسعال المزمن وزيادة إفراز البلغم، وقد يتطور ليُحدث نوبات شديدة تتطلب الدخول للمستشفيات، مما يُثقل كاهل أنظمة الرعاية الصحية.
في هذا السياق، يعد النوع الحمضي من الـCOPD من بين أكثر الأنواع التي تشكل تحديًا للأطباء، نظرًا لتداخل عوامل المناعة في مسار المرض. ويُعتقد أن الخلايا البيضاء الحمضية (Eosinophils) تلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم التهاب الرئة، مما يدفع إلى البحث عن علاجات تستهدف هذه الخلايا بدقة.
وهنا يبرز دور “نوكالا”، وهو جسم مضاد وحيد النسيلة (Monoclonal Antibody) يعمل على تثبيط بروتين إنترلوكين-5 (IL-5)، المسؤول عن تنظيم إنتاج الخلايا البيضاء الحمضية. وعندما يتم كبح نشاط IL-5، ينخفض عدد هذه الخلايا في الدم والرئة، مما يُقلل من الالتهابات ويخفف من الأعراض التنفسية.
نتائج واعدة من المرحلة السريرية
تعتمد GSK في طلبها على نتائج دراسة سريرية طويلة الأمد امتدت حتى 104 أسابيع، تم خلالها مقارنة فعالية “نوكالا” بجرعات شهرية مع العلاج القياسي بواسطة أجهزة الاستنشاق. أظهرت النتائج انخفاضًا ملحوظًا في معدل التفاقم السنوي المتوسط والشديد للمرض بين المرضى الذين تلقوا “نوكالا” مقارنة بمن تلقوا العلاج الوهمي (Placebo).
وقد أُشير إلى أن إضافة “نوكالا” إلى بروتوكولات العلاج الحالية أسفرت عن تحسينات ملموسة في جودة الحياة اليومية للمرضى، وتقليل الحاجة إلى استخدام الكورتيكوستيرويدات الجهازية (Systemic Corticosteroids) التي تُعد من العلاجات التقليدية لكن لها آثار جانبية كبيرة، لا سيما عند استخدامها لفترات طويلة.
لماذا تُعد هذه الخطوة تاريخية؟
إذا حصلت GSK على الموافقة النهائية من وكالة EMA، فسيُصبح “نوكالا” أول علاج بيولوجي بجرعة شهرية يُعتمد رسميًا لعلاج COPD من النوع الحمضي، وهو إنجاز يعزز من مكانة الشركة كواحدة من رواد الابتكار الدوائي في مجال أمراض الجهاز التنفسي.
ويُمثل ذلك تحولًا في فلسفة العلاج، حيث كانت العلاجات البيولوجية حكرًا لفترة طويلة على أمراض الربو أو أمراض المناعة الذاتية، بينما ظل مرض الانسداد الرئوي المزمن يُعالج غالبًا باستخدام موسعات الشعب الهوائية والكورتيزونات، دون التركيز على العوامل المناعية الدقيقة المسببة للالتهاب.
أبعاد اقتصادية واستثمارية
تعكس هذه الخطوة رؤية GSK نحو توسيع نطاق استخدام منتجاتها البيولوجية المعتمدة، وهو ما من شأنه تعزيز نمو العائدات. كما أن نجاح “نوكالا” في تحقيق هذه النقلة سيجذب انتباه المستثمرين إلى إمكانات النمو في قطاع أدوية الأمراض التنفسية، خاصة في ظل زيادة معدلات الإصابة بالـCOPD عالميًا.
وقد تؤثر هذه الخطوة أيضًا على خريطة المنافسة مع شركات دوائية أخرى مثل “أسترازينيكا”، و”روش”، و”سانوفي”، التي تستثمر بدورها في أدوية بيولوجية مماثلة.
تحديات مستقبلية
ورغم الإنجازات الواعدة، فإن الطريق لا يخلو من التحديات، أبرزها:
-
تسعير الدواء: باعتبار “نوكالا” علاجًا بيولوجيًا، فإن تكلفة إنتاجه مرتفعة مقارنة بالأدوية التقليدية. ويتعين على GSK أن تعمل على تنسيق التسعير مع الجهات التنظيمية وشركات التأمين لتوسيع قاعدة المستفيدين.
-
التوسع العالمي: رغم تقدم الطلب في أوروبا، لا يزال الحصول على موافقات مماثلة في الأسواق الأخرى (كالولايات المتحدة واليابان) يتطلب استراتيجيات مخصصة حسب المتطلبات التنظيمية لكل سوق.
-
إثبات الأمان طويل الأجل: كما هو الحال في العلاجات البيولوجية الأخرى، هناك حاجة إلى مراقبة طويلة الأمد لتأكيد أمان وفعالية “نوكالا” بعد استخدامه على نطاق واسع.
ختامًا
يبدو أن “نوكالا” على وشك دخول مرحلة جديدة من التوسع والاستخدام العلاجي، بعد سنوات من إثبات فعاليته في الربو الشديد. إن إعادة توجيه هذا الدواء لعلاج الـCOPD قد تُمثل نقلة في طريقة التفكير التقليدية حول هذه الأمراض المزمنة، وتحفز على مزيد من الابتكار في القطاع.
ومع استمرارية التطورات في مجال العلاجات البيولوجية واستهدافات الخلايا المناعية، فإن قطاع الأدوية التنفسية قد يكون أحد أبرز الرهانات الواعدة لشركات الأدوية العالمية خلال العقد القادم.
للمزيد من اخبار شركات الادوية المصرية والعالمية واخبار سوق الدواء والصحة تابع دواء نيوز– أخبار الدواء علي لينكدن :
www.linkedin.com/company/dawaa-news