في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الصحة عالمياً اصبح الاهتمام بالسيادة الدوائية بالمغرب هي رؤية سامية لجلالة الملك محمد السادس ، تبرز المملكة المغربية كنموذج إفريقي طموح يسعى لتحقيق السيادة الدوائية، وتعزيز قدراته الإنتاجية، وتوسيع حضوره في أسواق التصدير. فبقيادة ملكية واضحة، وتنفيذ حكومي ممنهج، يشهد القطاع الدوائي في المغرب طفرة تنظيمية وتشريعية وصناعية تضعه على خارطة اللاعبين الإقليميين الكبار في هذا المجال.

القطاع بالأرقام: تطور ملحوظ في الإنتاج والاكتفاء الذاتي

بحسب أحدث البيانات الرسمية، تغطي الصناعة الدوائية المحلية في المغرب أكثر من 80% من الحاجيات الوطنية من الأدوية، مع توجه استراتيجي نحو زيادة الاعتماد على الأدوية الجنيسة، والتي تمثل حالياً أكثر من 40% من الاستهلاك المحلي.

في عام 2023، بلغت قيمة مبيعات سوق الأدوية نحو 21 مليار درهم مغربي، مقارنة بـحوالي 14 إلى 15 مليار درهم في عام 2022. كما شهدت الواردات الدوائية انخفاضًا ملحوظًا، من 11.2 مليار درهم في 2021 إلى 7.7 مليار درهم في 2022، وهو ما يعكس تحسنًا تدريجيًا في الإنتاج المحلي وتراجع الاعتماد على الخارج.

تحول مؤسسي وتشريعي لتقوية البنية التنظيمية

أطلقت الحكومة المغربية حزمة من الإصلاحات المؤسسية والتشريعية بهدف تعزيز الحوكمة وضمان جودة الأدوية وتوفيرها بشكل دائم في السوق المحلي. ومن أبرز هذه الخطوات:

– تحويل مديرية الأدوية إلى “الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية” بموجب القانون 10.22، والتي باتت تتمتع باستقلالية إدارية ومالية لتنفيذ السياسات الدوائية الوطنية.

– إلغاء الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على الأدوية في 2024، في خطوة تهدف إلى تخفيف العبء على المواطن وتعزيز القدرة الشرائية.

– تعزيز حملات التفتيش والرقابة على المصانع والموزعين والصيدليات لضمان الجودة ومكافحة الأدوية المغشوشة.

استثمارات وشراكات استراتيجية لتعزيز الإنتاج والتصدير

شهد عام 2024 توقيع عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الصناعية الجديدة، أبرزها ما تم في 23 يوليو بمدينة الدار البيضاء، بحضور وزارات الصحة، الصناعة، الاقتصاد، والتعليم العالي، بهدف إنشاء وحدات صناعية متخصصة في:

– إنتاج الأدوية واللقاحات،

– تصنيع الأجهزة والمستلزمات الطبية،

– تطوير البنية التحتية الدوائية المرتبطة بالتحاليل والتغليف.

كما تواصل الحكومة جهودها لتحويل المغرب إلى مركز إقليمي لتصنيع المنتجات البيوصيدلانية واللقاحات، عبر مشروع “ماربيو” الذي يستهدف إنتاج أكثر من 116 مليون وحدة لقاح سنوياً.

2025: انطلاقة جديدة بمجلس إدارة موحد

في 29 يناير 2025، عقد أول اجتماع لمجلس إدارة الوكالة المغربية للأدوية، بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش وعدد من الوزراء المعنيين. تناول الاجتماع تنفيذ القانون 06.22 الخاص بتنظيم القطاع، والتصديق على خطة العمل السنوية، وتأكيد دور الوكالة كمؤسسة مركزية لضمان الأمن الدوائي وتحقيق العدالة الدوائية في الأسعار والجودة.

فرص وتحديات مستقبلية

بينما تفتح هذه التطورات المجال أمام المغرب لتعزيز صادراته نحو إفريقيا وأوروبا، إلا أن التحديات المرتبطة بتقلبات سلاسل الإمداد، وضبط الأسعار، ورفع معدلات البحث والتطوير لا تزال قائمة. ويُنتظر من القطاع الخاص أن يواصل الاستثمار في تصنيع الأدوية الجنيسة ذات القيمة المضافة العالية، والاندماج أكثر في الاقتصاد الرقمي الدوائي.

يمضي المغرب بخطى واثقة نحو تحقيق السيادة الدوائية، مدعومًا بإصلاحات تشريعية، واستثمارات صناعية، وإرادة سياسية واضحة. ومع استمرار تحسن المؤشرات، فإن المملكة تُرَسِّخ مكانتها كقوة صيدلانية صاعدة في إفريقيا والعالم العربي.