جذب المقرات الإقليمية: بوابة التحول الاستراتيجي في سوق الدواء السعودي نحو الاكتفاء والاستدامة

في حوار خاص.. د. محمد توفيق: برنامج المقرات الإقليمية يعزز توطين الصناعة الدوائية ونقل المعرفة للمملكة

الرياض – دواء نيوز – مايو 2025
في وقت تتسارع فيه الخطى نحو تنفيذ رؤية السعودية 2030، برز برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية كأحد المبادرات المحورية لتطوير الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل، لاسيما في قطاع استراتيجي مثل الصناعات الدوائية. في حوار خاص مع “دواء نيوز”، تحدث الدكتور محمد توفيق، عضو المجموعة الاستشارية الفنية ببرنامج الاستدامة السعودي (SSAP)، عن الآثار المتوقعة لهذا البرنامج على سوق الدواء السعودي، وفرص الاستثمار، والتحديات، والنتائج المنتظرة.

مبادرة استراتيجية لتحقيق تحول جذري

وصف الدكتور توفيق البرنامج بأنه مبادرة استراتيجية طموحة تهدف إلى جعل السعودية مركزًا إقليميًا لإدارة عمليات الشركات العالمية في المنطقة، بدلاً من إدارتها من خارج المملكة كما كان الحال سابقًا. ويؤكد أن البرنامج ينسجم تمامًا مع مستهدفات رؤية 2030 في مجالات تنويع الاقتصاد، خلق وظائف نوعية، نقل المعرفة، وتمكين الكفاءات الوطنية.

كيف يخدم البرنامج قطاع الأدوية؟

بحسب الدكتور توفيق، فإن للبرنامج أربعة آثار رئيسية مباشرة على سوق الدواء:

1. تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر: وجود المقرات داخل المملكة يشجع على ضخ الاستثمارات في البحث والتطوير، التصنيع المحلي، والخدمات اللوجستية الدوائية. وهذا يقلل من الاعتماد على الاستيراد، ويرفع من مستوى الاكتفاء الذاتي.
2. نقل التكنولوجيا والخبرات: عندما تصبح المملكة المقر الإقليمي للشركات، تنتقل معها أحدث التقنيات والعمليات المرتبطة بإنتاج وتسويق الأدوية، مما يسهم في بناء منظومة متكاملة محليًا من المعرفة والتقنية.
3. خلق وظائف تخصصية: وجود هذه المراكز يتطلب توظيف كفاءات في مجالات مثل البحوث السريرية، الشؤون التنظيمية، سلاسل الإمداد، التسويق العلمي، وإدارة المنتجات، ما يسهم في توطين وظائف عالية القيمة.
4. تحسين جودة وتوفر الأدوية: مع وجود الشركات على الأرض، تصبح الاستجابة لاحتياجات السوق أسرع وأكثر مرونة، مما يعزز من توفير الأدوية الحديثة والمتخصصة، ويسهم في استقرار سلاسل الإمداد الحيوية.

بين الفرص والمنافسة

على الرغم من التفاؤل، يعترف الدكتور توفيق بأن البعض قد ينظر إلى هذه المبادرة على أنها تهديد للمنافسة مع الشركات المحلية، لكنه يرى أن “المنافسة الإيجابية” هي محرك للابتكار والتحسين، مشيرًا إلى إمكانية بناء شراكات بين الشركات العالمية والمحلية، مما يحقق نقلًا عمليًا للخبرات ويفتح المجال لتوسيع قدرات الشركات الوطنية.

التحديات المحتملة وسبل تجاوزها

يحدد الدكتور محمد توفيق ثلاثة تحديات رئيسية في تنفيذ البرنامج ضمن قطاع الدواء:

• الإجراءات التنظيمية: رغم التحسن الكبير في بيئة الأعمال، لا يزال هناك حاجة لمزيد من التبسيط في إجراءات التراخيص وسلاسة العمل مع الهيئات الصحية.
• الكفاءات الوطنية المتخصصة: الطلب المتزايد على الخبرات المحلية يستوجب الاستثمار في التدريب والتعليم المتخصص، وهو ما تعمل عليه المملكة حاليًا عبر برامج الابتعاث والتأهيل.
• البنية التحتية الدوائية: نجاح التصنيع المحلي وتوطين الخدمات اللوجستية يتطلب تحديثًا مستمرًا للبنية التحتية والمناطق الصناعية المتخصصة، مثل المدن الدوائية ومراكز التوزيع الذكية.

السعودية كمركز إقليمي للأدوية: رؤية قابلة للتحقق

يتوقع الدكتور توفيق أن السوق السعودي سيتحول خلال السنوات القليلة المقبلة إلى مركز إقليمي رائد في صناعة وتوزيع الأدوية، مشيرًا إلى:

• ارتفاع كبير في الاستثمار في البحث والتطوير
• ظهور جيل جديد من الكفاءات السعودية المتخصصة في التصنيع والتنظيم الدوائي
• دعم مباشر لأهداف الأمن الدوائي الوطني والخليجي
• توسع صادرات الأدوية المصنعة محليًا إلى الأسواق الإقليمية والإفريقية

قراءة استراتيجية: بين السيادة الدوائية والتمكين الاقتصادي

يشير تحليل د توفيق إلى أن برنامج جذب المقرات الإقليمية لا يقتصر فقط على البعد الاقتصادي، بل يمثل تحولًا في مفهوم السيادة الدوائية، ويضع السعودية في موضع القيادة الإقليمية في ملف الأمن الصحي، مستفيدة من قوتها الشرائية، موقعها الجغرافي، واستقرارها السياسي والتشريعي.