في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية وتصميم التجارب السريرية، جاء “قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي EU AI Act” ليضع إطارًا تشريعيًا هو الأول من نوعه عالميًا، لتنظيم استخدام هذه التقنية الثورية. وبينما يُنظر إلى القانون كخطوة مهمة نحو حماية خصوصية المواطنين وضمان سلامة الابتكار، يرى العديد من الخبراء في قطاع الصناعات الدوائية أن التنظيم الجديد قد يخلق تحديات كبيرة، خاصة للشركات الناشئة، ويؤثر على القدرة التنافسية داخل الاتحاد الأوروبي.
قانون غير مسبوق.. ومخاوف واقعية
تم نشر قانون الذكاء الاصطناعي (Regulation (EU) 2024/1689) رسميًا في يوليو 2024، على أن يُطبق بالكامل في أغسطس 2026، باستثناء بعض البنود التي بدأ تنفيذها في فبراير 2025، مثل قواعد “ثقافة الذكاء الاصطناعي AI Literacy” والحوكمة على النماذج العامة.
يعتمد القانون تصنيفًا لأنظمة الذكاء الاصطناعي وفقًا لمستوى المخاطر:
-
مخاطر غير مقبولة: مثل أنظمة التعرف على الوجه في الزمن الحقيقي أو استخدام الذكاء الاصطناعي للتلاعب بالسلوك البشري.
-
مخاطر عالية: وتشمل التطبيقات الطبية الحيوية، وتشخيص الأمراض، وأنظمة دعم القرار في الرعاية الصحية.
-
مخاطر محدودة أو دنيا: مثل مرشحات الرسائل الإلكترونية أو الألعاب الرقمية.
تأثير مباشر على قطاع الدواء والتكنولوجيا الحيوية
يدخل هذا القانون في وقت يشهد فيه القطاع الطبي والدوائي ثورة في استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ وقّعت شركات كبرى مثل Eli Lilly وSanofi وBioNTech اتفاقيات استراتيجية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تسريع اكتشاف الأدوية.
كما أطلقت شركات مثل NVIDIA تعاونات ضمن برنامج NVIDIA Connect لدعم منصات مثل Magellan المخصصة لاكتشاف الأدوية، بالتعاون مع شركات صغيرة مثل Gain Therapeutics.
غير أن قانون الذكاء الاصطناعي الجديد يفرض على الشركات التي تطوّر أنظمة عالية الخطورة التزامًا صارمًا حتى عام 2027، مع غرامات قد تصل إلى 35 مليون يورو أو 7% من الإيرادات السنوية العالمية في حال المخالفة.
فرص الامتثال والاعتماد التنظيمي
من جهة أخرى، يرى البعض أن الامتثال للقانون الأوروبي قد يعزز ثقة المستثمرين والمستهلكين، كما هو الحال مع اعتماد CE الذي يمنح الأجهزة الطبية قابلية التسويق في أوروبا.
صرّح ليون دورن، رئيس لجنة الأجهزة الطبية والذكاء الاصطناعي في المعهد الهولندي للتقييس، بأن القانون الجديد يساعد على “حماية الحقوق الأساسية للمواطنين الأوروبيين”، لكنه أشار إلى أن التكامل مع لوائح الأجهزة الطبية MDR لا يزال معقدًا من الناحية التنفيذية.
الشركات الناشئة… أكبر المتأثرين
حذّر الخبراء من أن الشركات الصغيرة قد تجد صعوبة في التكيّف مع المتطلبات التنظيمية الجديدة، ما قد يؤخر وصولها إلى الأسواق الأوروبية مقارنة بنظيراتها الأمريكية.
فيرناندو بونيتو، المدير التقني لشركة Custom Surgical الألمانية، قال: “بينما تصل الشركات الأمريكية إلى السوق بنسختها الرابعة من التكنولوجيا، ما زالت الشركات الأوروبية تحاول اجتياز النسخة الأولى، بسبب البيئة التنظيمية المتعددة.”
هل يصبح الاتحاد الأوروبي نموذجًا عالميًا؟
يشير مراقبون إلى أن ما حدث مع اللائحة العامة لحماية البيانات GDPR قد يتكرر مع قانون الذكاء الاصطناعي؛ إذ بدأت تلك اللائحة أوروبية لكنها أصبحت مرجعًا عالميًا في حماية الخصوصية.
وترى سري ديفي ناغاراجان، الرئيسة السابقة للاستراتيجية الرقمية في أسترازينيكا، أن الشركات التي تمتثل مبكرًا للقانون الأوروبي ستحظى بمزايا تنافسية، مشيرة إلى أن “الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية بحاجة إلى إطار موثوق، حتى وإن تطلب الأمر تضحيات من الصناعة.”
ما الذي يجب على الشركات فعله اليوم؟
وفقًا لتقرير GlobalData، فإن المؤسسات التي تستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي دون تطويرها ستكون تحت التزامات أقل من تلك التي تطورها أو تسوّقها. لذا، فإن الشركات في قطاع الدواء والتكنولوجيا الحيوية يجب أن:
-
تعيد تقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمدها وفقًا لتصنيفات المخاطر.
-
تجهز استراتيجيات الامتثال التنظيمي مبكرًا.
-
تستثمر في تطوير قدرات الحوكمة الرقمية وأدوات تقييم الأثر الأخلاقي لأنظمتها.
-
تدرس توسيع شراكاتها مع مطوري الذكاء الاصطناعي، خاصة لتجاوز فجوات الامتثال.
الذكاء الاصطناعي في قلب صناعة الدواء
خلال العقد الأخير، أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في تسريع اكتشاف وتطوير الأدوية، وتحليل البيانات السريرية، وتصميم التجارب، واختيار المرضى المناسبين للبحوث السريرية. فقد دخلت شركات كبرى مثل Sanofi وEli Lilly وBioNTech في شراكات مع كيانات تكنولوجية مثل NVIDIA التي ساهمت في تعزيز المنصات الحاسوبية مثل “Magellan” لتسريع اكتشاف الأدوية.
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي حاليًا في مراحل مختلفة من دورة حياة الدواء، بما في ذلك:
- اكتشاف الجزيئات النشطة المحتملة.
- تحليل الصور الطبية والتشخيص.
- التنبؤ بالتفاعلات الدوائية والآثار الجانبية.
- تحسين اختيار المرضى في التجارب السريرية.
- المراقبة بعد التسويق (Pharmacovigilance).
لكن ومع كل هذه الآفاق الواعدة، تأتي مسؤوليات تنظيمية جديدة مع قانون الاتحاد الأوروبي.
ماذا يتضمن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي؟
نُشر القانون رسميًا في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي بتاريخ 12 يوليو 2024، على أن يبدأ تطبيقه تدريجيًا بين 2025 و2027، ويصنّف تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضمن أربع فئات حسب مستوى الخطورة:
- مخاطر غير مقبولة: تشمل الأنظمة التي تُستخدم في التلاعب أو المراقبة الحيوية الفورية.
- مخاطر عالية: مثل الأنظمة المستخدمة في التشخيص الطبي أو دعم اتخاذ القرار العلاجي.
- مخاطر محدودة: تشمل روبوتات الدردشة والتوصيات الذكية.
- مخاطر دنيا: مثل الألعاب المعززة بالذكاء الاصطناعي.
وتُخضع التطبيقات المصنفة ضمن المخاطر العالية لمتطلبات صارمة تشمل:
- تقييم المطابقة.
- التوثيق الكامل لخوارزميات التعلم الآلي.
- الشفافية في استخدام البيانات.
- توفير ضمانات للسلامة والأمن السيبراني.
التأثيرات المباشرة على قطاع الأدوية والابتكار
بحسب تقرير GlobalData، فإن الشركات التي تطوّر أو تسوّق أنظمة ذكاء اصطناعي في المجال الطبي ستكون الأكثر تأثرًا، حيث يتوجب عليها التقيّد بمعايير الامتثال بحلول أغسطس 2027، وإلا تواجه غرامات قد تصل إلى 35 مليون يورو أو 7% من الإيرادات السنوية العالمية.
يرى خبراء أن هذه القوانين قد تُبطئ من وتيرة الابتكار، خاصة لدى الشركات الناشئة التي تفتقر إلى الموارد المالية والكوادر التنظيمية المتخصصة، مما قد يؤخر دخول تقنيات جديدة إلى السوق الأوروبي مقارنة بالسوق الأمريكي.
من جانبه، علّق فيرناندو بينيتو، المدير التنفيذي للتقنية في شركة Custom Surgical الألمانية: “رغم أن القانون يهدف لحماية المستخدم، إلا أنه يفرض عبئًا تنظيميًا إضافيًا على الشركات، خصوصًا مع التداخل بين قانون الذكاء الاصطناعي ولوائح الأجهزة الطبية MDR”.
التوافق مع لائحة الأجهزة الطبية (MDR)
دخلت لائحة MDR الأوروبية حيز التنفيذ الكامل في 2021 وتستمر حتى 2027، وتتطلب حصول الأجهزة الطبية التجارية على علامة CE لضمان مطابقتها لمعايير السلامة والأداء. ويُعدّ التداخل بين MDR وقانون الذكاء الاصطناعي نقطة إشكالية بالنسبة للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن أجهزة طبية مثل أدوات التشخيص والتصوير الطبي.
سريدي في ناغاراجان، الرئيسة السابقة لاستراتيجية الرقابة الرقمية في AstraZeneca، ترى أن التحدي الأكبر يكمن في غياب معايير موحّدة تنسجم بين القوانين الجديدة والسابقة، مما قد يعيق الشركات في تطوير منتجات متوافقة تنظيميًا.
فرص كامنة رغم التعقيدات
ورغم التحديات، يرى بعض الخبراء أن التصنيف الجديد للمخاطر قد يتيح مزايا تنظيمية لبعض التطبيقات. فالمخاطر المحدودة أو الدنيا قد تستفيد من شروط أخف وطأة، مما يعزز موثوقية الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لدى المستخدمين والمستثمرين.
ويضيف ليون دورن، رئيس قسم الأجهزة الطبية والذكاء الاصطناعي في المعهد الهولندي NEN، أن القانون الجديد يمثل فرصة لأوروبا لتقود العالم في تنظيم الذكاء الاصطناعي، كما فعلت سابقًا مع لائحة حماية البيانات GDPR.
تأثيرات على الشركات الناشئة مقابل الكبرى
يشير محللون إلى أن الشركات الأمريكية قد تصل إلى السوق بشكل أسرع، إذ يمكنها اختبار تقنياتها في بيئة أقل تنظيماً، ومن ثم تعديلها لتتناسب مع السوق الأوروبية لاحقًا. في المقابل، تواجه الشركات الأوروبية الناشئة خطر تأخر الدخول إلى السوق بسبب تعقيدات الامتثال المبكر.
لكن ناغاراجان تؤكد: “كلما بدأنا أبكر في الامتثال، كلما أصبحنا أكثر استعدادًا للريادة عالميًا. فمثلما أصبح GDPR معيارًا عالميًا، يمكن لقانون الذكاء الاصطناعي أن يُحدث الأثر نفسه”.
توصيات لمطوري الذكاء الاصطناعي في قطاع الدواء:
- ضرورة إنشاء فرق داخلية متخصصة في الامتثال القانوني.
- اعتماد استراتيجيات توثيق شاملة لكل مراحل تطوير الأنظمة.
- استخدام تقنيات التفسير الآلي (Explainable AI) لدعم الشفافية.
- العمل على دمج مبادئ الأمن السيبراني منذ مرحلة التصميم.
- التعاون مع الجهات الرقابية منذ المراحل المبكرة.
ختامًا:
يمثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي خطوة تاريخية نحو تنظيم أكثر مسؤولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعات الحساسة مثل الأدوية والرعاية الصحية. ورغم التحديات المحتملة، فإن التزام الشركات المبكر بالامتثال قد يفتح لها آفاقًا جديدة للثقة، والتمويل، والتوسع، خصوصًا في أسواق تُولي أهمية متزايدة للأمان والشفافية.
للمزيد من اخبار شركات الادوية المصرية والعالمية واخبار سوق الدواء والصحة تابع دواء نيوز- أخبار الدواء علي لينكدن :
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *